المتحف العلوي تحت الحماية
كان "رونيه كودراي دو لا بنشار", المدير الأول لقسم الأثريات التونسية (1885-1895), و "اكسافيي شارم", رئيسه في "الوزارة الفرنسية للتعليم العام و الفنون الجميلة" , الفاعلان الأساسيان في تنفيذ مشروع المتحف الوطني التونسي و الذي انطلق من فكرة " لخير الدين باشا" و لمستشاري الهيئة العلمية الفرنسية خلال مهمتهم الأثرية بتونس. و قد تم ,سنة 1888.

فتح قسمين فقط للجمهور بالطابق الأول من قصر "محمد باي" يتم الوصول إليها عبر سلم كبير ينطلق من بهو الدخول أو "الدريبة". و يتكون القسمان من:

- فناء مغطى حيث تعرض مجموعات بتأثيرات لاتينية من بينها المجموعة المشهورة من الشواهد النذرية البونية ب"مغراوة" و التي كانت على ملك "محمد خزندار", وقد سمي هذا الفضاء ب"متحف النقوش و الكتابة" حسب اللائحة المتحفية لتلك الفترة.
- قاعة الاستقبال التي تعلوها قبة من الخشب المذهب حيث عرضت الفسيفساء و الخزف و التماثيل والتي سميت "متحف العصور القديمة".

و قد مكنت مقاسات هذه القاعة (130 م2) ورشة فنيي الفسيفساء بالمتحف العلوي, المؤسسة سنة 1885, من إدراج الفسيفساء الشهيرة "انتصار نبتون" مع مركبه المكون من "تريتون" (ألاه إغريقي بحري وهو ابن "بوزديون" و "انفيتريت") و بنات الآلهة "نيريه" و "دوريس" (و تسمى "النريد"), بأرضية الفضاء.

عين "بول كوكلار", أثري مهتم بالعالم الشرقي كان يقطن بمدينة تونس, على رأس "إدارة الآثار و الفنون", سنة 1896. و هو يعرف المتحف العلوي كمكان أساسي لحفظ و عرض الأشياء المتأتية من الحفريات الأثرية المختلفة و المقامة على التراب التونسي.

و قد واصل إعادة توزيع قاعات القصر مع إضافة:
- غرفة الطعام القديمة للقصر و قد سميت بقاعة "أوذنة" و خصصت للفسيفساء الأرضية, للتماثيل و لمختلف الأجسام المكتشفة خلال الحفريات المنجزة بها.
- قاعة "قرطاج" الحالية مع الميزانين (طابق جزئي) و التي مكنت مقاساتها من إدماج لوحتي فسيفساء كبيرتين بأرضيتها. و تمثل لوحة منها سر صناعة النبيذ التي قام بها "ديونيزوس" تجاه الملك "ايكاريوس" أما الثانية فتصور الحياة الريفية.

تحافظ طريقة عرض هذه التحف الفنية على طريقة توزعها الأصلي بالموقع الأم و ذلك بأكثر وفاء ممكن و هي في نفس الوقت تبرزها حسب منظور مسقط انطلاقا من رواق الطابق الثاني. و قد أعاد "بول كوجلار" توزيع قاعة المعروضات القارة حسب معايير زمنية و تصنيف نوعي للأشياء المعروضة. و هكذا تمت تهيئة أجنحة الطابق الأول والمرافق الموجودة بالطابق الأرضي لتستقبل:

- القسم المسيحي بالقاعة المسماة حاليا "دقة" و التي تم افتتاحها سنة 1903 لعرض حلي و تحف استثنائية.
- قسم المتحف العربي الإسلامي في "القصر الصغير" مع ورشة لتعليم حرفة نقش الجص المسماة بتقنية "نقش حديدة" وهي موجهة للحرفيين التونسيين الشباب و التي أقيمت بالكشك القديم للحديقة الداخلية.


و قد اهتم "بول كوجلار" خاصة بالقيام بجرد لمجموعات باردو وهو كاتب فهرس المتحف العلوي مشاركة مع "رونيه دوكودراي دو لا بلانشار" و واصل من بعده خلفاؤه على رأس إدارة الآثار و الفنون التونسية نشر الملاحق.

بين سنتي 1905 و 1920 قام المسئول الجديد بإدارة الآثار "الفراد ميرلان" بإعادة تنظيم المتحف حسب قاعات تحمل أسماء أكبر المواقع الأثرية التونسية. و هكذا تم بعث أو إعادة توزيع قاعات "التيبيروس" , "قرطاج", "دقة", "سوسة","تيبوربو ماجوس" و "تيسدروس" (الجم).

و قد استقبلت قاعة "فرجيل", و التي كانت في الأصل غرفة النوم للحريم القديم, الفسيفساء الشهيرة الممثلة للشاعر اللاتيني وهو يكتب قصيدته "الأنيد" و التي تم العثور عليها بأحد المنازل بسوسة. و يتواصل استعمال نفس تسمية القاعات الى اليوم و الهدف منه هو دفع جمهور المتحف إلى زيارة هذه المواقع.

و قد استقبلت قاعة "ورجلوس", و التي كانت في الأصل غرفة النوم للحريم القديم, الفسيفساء الشهيرة الممثلة للشاعر اللاتيني وهو يكتب ملحمته الشعرية "الأنياذة" و التي تم العثور عليها بأحد المنازل بسوسة. و يتواصل استعمال نفس تسمية القاعات إلى اليوم و الهدف من ذلك هو دفع جمهور المتحف إلى زيارة هذه المواقع.

عرف المتحف العلوي سنة 1913 حدثين أعادا إحياءه, أولهما هو افتتاح قسم عربي داخل الأجنحة الخاصة للقصر التونسي لعرض مجموعة اثنوغرافية و مواد حرفية تونسية. أما الحدث الثاني فهو بعث قسم آخر خصص لمجموعة الحفريات البحرية بالمهدية و التي قادها "الفراد ميلان" ما بين 1907 و 1911. و منذ تلك الفترة و بأمر المرسوم المؤرخ سنة 1907, حول المتحف العلوي إلى مؤسسة عمومية ذات صبغة مدنية. يعرف هذا النص القانوني صلوحيات المتحف و يشير إلى موارده العادية والخاصة و الخارقة للعادة مع إعطائه نظاما مستقلا بذاته يكون فيه المسئول الأول ممثلا في شخص مدير قسم الآثار و الفنون و يساعده في مهامه محافظ إداري. و قد شغل هذه الوظيفة للتصرف الإداري بالمتحف العلوي "برتران برادار" الذي كان ضمن إداريي المتحف منذ افتتاحه سنة 1888 و إلى حين تقاعده سنة 1928.

أنشأت في بداية القرن العشرين جمعية "أصدقاء المتحف العلوي" و التي كانت جد ناشطة حتى بداية الخمسينات و تضم ضمن أعضائها أوروبيين و تونسيين و تعمل على مساعدة المتحف ماليا لتمكينه من شراء الآثار وإقناع هواة جمع التحف بوهب مجموعاتهم للمتحف و لكنها نشرت خاصة سمعة ايجابية للمتحف داخل البلاد التونسية و خارجها.

عرفت فترة ما بين الحربين ترأس "لويس بوانسو" إدارة المتحف العلوي. وقعت تهيئة جناح جديد بالطابق الأول في الثلاثينات ليستقبل مجموعة فسيفساء (خاصة تلك ذات المواضيع البحرية) و الضريح الذي اكتشف بمقبرة "الأوفسيال" بقرطاج (مقبرة مخصصة للمسئولين بإدارة الإمبراطورية و يعرض المتحف أحد قبورها). وفي نفس الفترة تم إحداث قاعات فسيفساء "أوليس" و "الخيول الرابحة".

و قد أعاد "لويس بوانسو" كذلك توزيع القسم المسيحي سنة 1932 بإدماج لوحات فسيفساء جديدة بالأرضية. كما انه أضاف داخل القاعة ذات الأعمدة بالطابق الأرضي, قسما إسلاميا لعرض مجموعة كتابات جنائزية. و قام كذلك ببسط تهيئة متحفية في القاعة الكبرى للقصر التونسي و المسماة "إيوان" كما أبرز بالقاعة المجاورة لها و المسماة "جودايكا" أثارا يهودية المرجع.